تتجدد في كل عام ذكرى المولد النبوي الشريف في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، حيث يمثل هذا اليوم ميلاد نبي الهدى محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أتى رحمةً للعالمين. ومن خلال هذا المقال، نستعرض قضايا تتعلق بجواز الاحتفال بالمولد النبوي ووجهات نظر الفقهاء حوله، إضافةً إلى الأدلة التي استند إليها كل طرف في تحريمه أو جوازه.
الاحتفال بالمولد النبوي حلال أم حرام
يعتبر موضوع الاحتفال بالمولد النبوي من المسائل الجدلية التي نظرت فيها المدارس الفكرية الإسلامية المختلفة عبر العصور، وفيما يلي استعراض لهذه الآراء
وجهة نظر القائلين بجواز الاحتفال بالمولد النبوي
يدعم عدد من علماء المسلمين المعاصرين والقدامى فكرة جواز الاحتفال بالمولد النبوي، ويصف بعضهم هذا الاحتفال بأنه “بدعة حسنة”، شرط الالتزام بالضوابط الشرعية وتجنب المحظورات. وتعدّ وجهة نظر الإمام ابن حجر من أبرز التأييدات، حيث أشار إلى فائدة الاحتفال في استنفار المسلمين للإيمان، بينما يذهب الإمام السخاوي لتحفيز المسلمين للاحتفاء بهذا المولد العظيم، معتبرًا أنه يساهم في إظهار الفرح وزيادة المحبة في قلوب المؤمنين. كما شدد الشيخ يوسف القرضاوي على أهمية الاحتفال كمناسبة لتذكير المسلمين بسيرة النبي وأحداث حياته المهمة.
تجدون المزيد في
وجهة نظر القائلين بتحريم الاحتفال بالمولد النبوي
من جهة أخرى، فإن هناك فئة من العلماء، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، تؤكد على عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي، إذ يرون أن السلف الصالح -رحمهم الله- لم يحتفلوا به، وإن كان فيه خير لكانوا أولى بإقامة هذه الشعيرة. ويشاركهم الإمام الفاكهي الرأي، حيث اعتبر الاحتفال بالمولد بدعة مكروهة، حتى لو خلا من المخالفات الشرعية، موضحًا عدم وجود أي نصوص شرعية تدل على الاحتفال بالمولد.
تجدون المزيد في
الأدلة على تحريم الاحتفال بالمولد النبوي
استند من عارض الاحتفال بالمولد النبوي إلى عدة أدلة تؤكد اعتباره بدعة، ومنها
- قول الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”.
- قول الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة”.
- قول الله -عز وجل- “فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.
- قول الله -عز وجل- “وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.
تجدون المزيد في
رأي الشيخ ابن عثيمين في الاحتفال بالمولد النبوي
رأى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس له أصل في الدين، حيث لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يأمر الأمة به. وبالتالي، فإن هذا العمل يُعدُّ من البدع التي لا يجوز للمسلم أن يتقرب بها إلى الله -عز وجل-، حيث أن الدين قد اكتمل قبل وفاة النبي، كما جاء في قوله تعالى “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”. لذا، لا ينبغي على الناس ابتكار طرق جديدة للتقرُّب إلى الله.
بهذا، نكون قد استعرضنا في هذا المقال موضوع الاحتفال بالمولد النبوي بين الجواز والتحريم، كما عرضنا رأي الشيخ ابن عثيمين وتفصيلات الآراء المختلفة المتعلقة بالاحتفالات بهذه المناسبة العظيمة.