تمثل أحكام التجويد الفهم العميق والمعرفة المفصلة لقراءة القرآن الكريم، حيث يُعتبر القرآن هو المصدر الأساسي للعلوم والتشريع لدى المسلمين. وقد أنشأ العلماء علم التجويد ليحافظوا على دقة تلاوة القرآن، مُركزين على مخرجات الحروف وطرائق نطقها الصحيحة. ومع تزايد تلاوة القرآن اختلط العرب بغيرهم، مما أدى إلى ضعف في اللغة العربية، لذا كانت ضرورية وضع أحكام لضبط تلاوة القرآن باللغة العربية الفصحى.
مدخل إلى علوم القرآن الكريم
قبل الخوض في تفاصيل أحكام التجويد الكاملة، يجب إدراك أن هذا العلم هو واحد من العلوم القرآنية المتعددة. فقد أسس العلماء العديد من العلوم المشتقة من القرآن، بما في ذلك علم التجويد والقراءات وعلوم الكتابة والإعجاز العلمي، وعلم الناسخ والمنسوخ وأصول التفسير وغيرها. وقد أشار العلماء إلى أن هذه العلوم متعددة ومعقدة، بحيث قد يستغرق التعلم فيها العمر كله دون أن يحصل المرء على كمال الفهم. وتعود بدايات نتاج هذه العلوم إلى زمن الصحابة الكرام، حيث تم توثيقها في مراحل زمنية مختلفة، وكان من أوائل الكتب المدونة في هذا الإطار هو “البرهان في علوم القرآن” للزركشي.
تعريف علم التجويد
تحتوي أحكام التجويد الكاملة على القواعد الأساسية التي يجب على المسلمين اتباعها في قراءة القرآن الكريم. فقد أُمر المسلمون بتلاوة القرآن وحفظه، والتمسك بجماليته في النطق. حيث أُنزل القرآن بطريقة مجوّدة، وأوكل الله -سبحانه وتعالى- جبريل بتلاوته بشكل معجز ليصل إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي تجويد القرآن امتثال لآيات الله. يقول الله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}. ويفسر علم التجويد بأنه يتعلق بإخراج كل حرف من مخرجه الصحيح، ومنحه صفاته الحقيقية ومراعاة الأحكام المطلوبة. ويعتبر التجويد فرض عين على القارئ، ويعرضه للإثم عند تركه، وله فوائد عظيمة من المحافظة على لسان القرآن من الأخطاء، والحصول على الأجر والثواب.
الأحكام الرئيسة للتجويد
أحكام التجويد الكاملة تشمل مجموعة من القواعد التي تركز على النطق الصحيح للحروف، ومنها ما يتعلق بحروف خاصة كالمد والغم والأحرف المختلفة. وتشمل الأحكام
- أحكام الميم الساكنة الإخفاء الشفوي، الإدغام الشفوي، والإظهار الشفوي.
- أحكام النون الساكنة والتنوين الإدغام بغنة، الإدغام بغير غنة، الإخفاء، والإظهار.
- أنواع المدود المد الطبيعي، المد المتصل، المد المنفصل، المد العارض للسكون، ومد البدل.
- التفخيم والترقيق تنسيق النطق بناءً على الحروف والحركات.
أحكام النون الساكنة والتنوين
تعتبر أحكام النون الساكنة والتنوين من الأركان الأساسية في علم التجويد. تُعرف النون الساكنة بأنها النون الخالية من الحركات، بينما التنوين يُمثل حركتين تضافان لنهاية الكلمات. توجد أربعة أحكام رئيسية تتعلق بالنون الساكنة والتنوين، وهي الإظهار، الإدغام، الإقلاب والإخفاء.
الإدغام
الإدغام هو أحد أحكام النون الساكنة والتنوين، ويعني إدخال حرفين معاً ليظهر الثانى مشدداً. ويشمل هذا الحكم نوعين، إدغام بغنة وإدغام بغير غنة، حيث يتضمن كل نوع حروف محددة وأمثلة توضيحية.
- الإدغام بغنة يُستخدم مع مجموعة من الحروف الممكنة، مثال {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ}.
- الإدغام بغير غنّة يُستخدم مع حرفي اللام والرّاء مثلاً {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.
الإظهار
الإظهار هو الأسلوب الذي يُراد فيه إخراج الحرف دون أي غنّة أو إخفاء، ويكون عند استخدام النون الساكنة والتنوين مع حروف معينة.
الإقلاب
يعني الإقلاب تحويل النون الساكنة أو التنوين إلى ميم عند وجود حرف الباء، مع الحفاظ على خصائص الغنّة.
الإخفاء
الإخفاء يعني نطق النون الساكنة والتنوين بصفة وسطية بين الإظهار والإدغام، مع الاحتفاظ بالغنّة.
أحكام الميم الساكنة
تشير أحكام الميم الساكنة إلى الميم التي لا تتضمن حركات، سواء في وسط الكلمة أو في نهايتها. هناك ثلاثة أحكام رئيسية تتعلق بالميم الساكنة، وهي الإخفاء الشفوي، الإدغام الشفوي، والإظهار الشفوي.
الإخفاء الشفوي
يتمثل الإخفاء الشفوي عندما تأتي الميم الساكنة قبل حرف الباء، حيث ينبغي إخفاؤها مع غنّة.
الإدغام الشفوي
تحدث هذه الحالة عندما تسبق الميم الساكنة ميمًا أخرى، حيث يتم الإدغام.
الإظهار الشفوي
يُعبر عن الإظهار الشفوي عندما تكون هناك ميم ساكنة تتبع حروف معينة، بحيث تظهر سليمة بدون غنّة.
أنواع المد
تتناول أحكام التجويد المد وأقسامه المختلفة، حيث يُعرف المد في اللغة بأنه الإطالة أو الزيادة، ويتعلق هذا بمقدار طول الصوت في حروف المد الثلاثة. وتوجد عدة أنواع من المد، تشمل
المد الطبيعي
يُعتبر المد الطبيعي هو المد المعتاد، حيث يمتد الصوت بمقدار حركتين دون أي عائق.
المد المتصل
يحدث المد المتصل عندما يأتي حرف همز بعد حرف المد نفسه ضمن نفس الكلمة.
المد المنفصل
يحدث المد المنفصل عندما يتواجد حرف المد في نهاية كلمة وتأتي بعدها همزة في بداية الكلمة التالية.
مد البدل
وهو يحدث عندما يسبق حرف المد همزة وليست هناك همزة بعده، حيث يحل حرف المد محلها.
المد العارض للسكون
يحدث عندما يلي حرف المد ساكن أصلي، مما يمنح القارئ خيارات في كيفية القراءة.
المد اللازم
يُعرّف المد اللازم بأنه مد مُترتب على وجود حرف ساكن قبله، ويشمل أنواعًا من المدود الكثيرة.
التفخيم والترقيق
التفخيم والترقيق يشكلان جانبًا مهمًا من جوانب التجويد، حيث يُعبر التفخيم عن سمن الصوت، بينما الترقق يعني التخفيف. تشمل حروف الاستعلاء والتفخيم مراتب متعددة تعتمد على الظروف الصوتية.
أحكام الراء في التفخيم والترقيق
تعتبر الراء واحدة من الحروف الكبيرة في التجويد، حيث تحكمها عدة قواعد تتعلق بموقعها في الكلمة.
- تكون الراء مفخّمة عند الفتح أو الضم.
- تكون مرققة عند الكسر.
- يتحدد حكمها وفقًا لموقعها في الكلمات.
الفرق بين التجويد والتلاوة
يمثل التجويد المهارة المطلوبة للنطق السليم والكامل للحروف، بينما تشير التلاوة إلى قراءة القرآن بصوت عالٍ دون شرط تجويد.
نصائح لإتقان علم التجويد
من أجل إتقان أحكام التجويد، يُنصح بضرورة التدرب المستمر لفهم القواعد المختلفة ومرونة اللسان، وهذا ولا يُعتبر جهدًا بسيطًا بل يحتاج إلى عزم طويل. يُعد حفظ القرآن والتكرار أحد أهم الأساليب لتعزيز الفهم. من المهم أن يبدأ القارئ بتصحيح نطق الحروف قبل الانتقال إلى القواعد الأكثر تعقيدًا.
في الختام، قدمنا في مقال أحكام التجويد الكاملة عرضًا شاملًا حول علوم القرآن، وتعريفًا بعلم التجويد، وحكمه، ثم استعرضنا الأحكام المختلفة المتعلقة بالنون الساكنة والتنوين والميم الساكنة، بالإضافة إلى أنواع المد والتفخيم والترقيق، وأخيرا الفرق بين التجويد والتلاوة، مقدّمين نصائح قيمة لإتقان هذا العلم العظيم.