يتناول هذا البحث موضوع أحاديث فتن آخر الزمان الصحيحة. وما يُشير إليه مفهوم الفتن من معانٍ عدة، كما ورد في القرآن الكريم وتم تفسيره، حيث يعكس المعنى العام للفتن إضلال الناس عن الحقيقة وإثارة الشكوك حولها. فضلاً عن أنها تعكس امتحاناً وابتلاءً عظيماً يختبر فيه الناس في الحياة الدنيا. ويتناول هذا البحث أيضًا ما ذكرته السنة النبوية الشريفة من أحاديث تتعلق بفتن آخر الزمان وفضائلها. كما يسلط الضوء على واجب المسلمين في هذا الوقت عند ظهور الفتن الكبرى.

حقيقة آخر الزمان

قبل التعمق في ذكر أحاديث فتن آخر الزمان الصحيحة، من الضروري الحديث عن مفهوم آخر الزمان. لقد جعل الله تعالى الدنيا دار ابتلاء وامتحان، حيث تتجلى فيها أخلاق المؤمن الصادق خلال مختلف الظروف. ومن خلال ذلك، يمكن قياس حقيقة إيمانه، مما يُظهر إن كان صادقاً أم منافقاً أو ضعيف الإيمان بالله تعالى. وقد أخبرنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عن آخر الزمان، وهي المرحلة الأخيرة قبل قيام الساعة، حيث يُجمع الناس للحساب. وتُظهر هذه المرحلة طابع الذم والسوء، وتُعد مرجعًا للشرور والمساوئ، وتشتد فيها الفتن والبلاء، ومن بين هذه الفتن

  • استحلال المعازف والغناء.
  • استحلال الخمر والمسكرات.
  • ترك الصلاة في المساجد.
  • انتشار الزنا والفواحش.
  • التخلي عن الزكاة والصدقات.
  • تفشي القتل والحروب.

لكن الله تعالى رحيم بعباده الصالحين في آخر الزمان، ففيم يحل فيه بعض الفضائل والخيرات، حيث ينتشر العدل والأمان بعد نزول نبي الله عيسى عليه السلام، والله أعلم.

أحاديث فتن آخر الزمان الصحيحة

وردت في السنة النبوية العديدة من الأحاديث التي تعكس حالة الفتن في آخر الزمان، وقد حُفِظَت بعضها وصحَّحها العلماء فيما ضعَّفوا البعض الآخر. وقد أظهرت الأحاديث أنواعاً متعددة من الفتن التي حذر منها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، حيث كانت هذه الأحاديث من دلائل صدق نبوته، إذ تحمل أحداثًا غيبية ومستقبلية. وفيما يلي بعض أحاديث فتن آخر الزمان الصحيحة.

فتنة حب الدنيا

تعتبر أحاديث فتنة حب الناس للدنيا والتكالب عليها من أبرز أحاديث فتن آخر الزمان الصحيحة، ومنها

  • قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ؛ قلوبُهم قلوبُ الأعاجمِ؛ حبُّ الدُّنيا، سنتهم سنتُ الأعرابِ، ما أتاهم من رزقٍ جعلوه في الحيوان، يرون الجهادَ ضررًا، والزكاةَ مغرمًا”.
  • كما قال -عليه الصلاة والسلام- “يأتي على الناسِ زمانٌ ما يُبالي الرجلُ من أين أصاب المالَ من حلالٍ أو حرامٍ”.

طغيان الحكام

تتناول الأحاديث أيضًا طغيان الولاة وسفاهة الأمراء وظلمهم، والسعي وراء مصالحهم الشخصية. من الأحاديث الصحيحة التي سجلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

  • قال “يا كعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السفاهاء، قال وما إمارة السفاهاء قال أمراء يكونون بعدي يهدون بغير هداي ويستنُّون بغير سنتي، فمن دخل عليهم فصدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولا أكون منهم ولا يردون علي حوضي”.
  • قال “سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدَّق فيها الكاذب ويُكَذَّب فيها الصادق ويَؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة”.

الجهل والقتل

تشهد الفترة الأخيرة انتشار الجهل والقتل وتزايد سرعة الزمن، وقد ورد في أحاديث فتن آخر الزمان الصحيحة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال “يتقارَب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويكثر الهرج”.

الحروب

تتعاظم الحروب والمعارك في آخر الزمان، وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله “لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون الترك، قومًا وجوههم كالمجان المطرقة”.

لذا، يجب على المسلمين الأوفياء أن يسعوا لحماية أنفسهم وإيمانهم ودينهم من هذه الفتن، مع تقوى الله سبحانه وتعالى.

أحاديث في فضائل آخر الزمان

تتجلى رحمة الله في قوله بأنه لن يُخلي آخر الزمان من الرحمة والخير، حيث جعل الفتن اختبارًا لإيمان الإنسان ولأغراض سامية. إذ تضمن الأحاديث الشريفة إشارة إلى الفرج والخير بعد انتهاء الفتن، ومنها

  • قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا”.
  • قال -عليه الصلاة والسلام- “يكون في آخر أمتي خليفة، يحثي المال حثيًا ولا يعده عددًا”.
  • قال أيضًا “إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منكم بعشر ما أمر به نجا”.
  • كما قال “لا تزال أمة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس”.

الواجب عند ظهور فتن آخر الزمان

عندما تظهر الفتن، يجب على المسلمين أن يلتزموا بالهروب منها وأن يطالبوا بالاستغفار، إذ لا إثم عليهم إذا ابتعدوا. إن ما أوصى به الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الحفاظ على الدين والإيمان. كما أشار إلى أن النّاجين من الفتن هم من كانوا مرابطين في الثغور أو اعتزلوا الناس. ومن لم يستطع القيام بذلك فعليه بالإقامة في بيته، مع ضرورة التمسك بالصلاة والدعاء لتفادي الفتن.

في الختام، يمثل موضوع أحاديث فتن آخر الزمان الصحيحة مسألة معقدة تتطلب تفهمًا عميقًا، إذ تحذرنا السنة النبوية من الفتن وتجعلنا ندرك أهمية التمسك بالإيمان والثبات في زمن الفتن.