تركز العثمانيون خلال فترة حكم السلاطين الأوتوقراطيين على الاستيلاء على الأراضي العربية، مستهدفين الثروات الوفيرة وتوسيع نفوذهم في هذه المنطقة الاستراتيجية. بالنظر إلى الأهمية التجارية للبلاد العربية، فقد شكلت هدفًا رئيسًا لتمدّد الإمبراطورية العثمانية. كان التمدد العثماني جزءًا من سعيهم لصدّ أعدائهم الإقليميين، بما في ذلك القوى الأوروبية والدولة الصفوية، وهو ما يتطلب دراسة أعمق لأصل الإمبراطورية وتوسعها في الأراضي العربية والغربية. سنتناول في هذا البحث جميع هذه المحاور.
أصل الإمبراطورية العثمانية
تُعزى تسمية الإمبراطورية العثمانية إلى زعيم قبيلة أوغوز التركية، عثمان، الذي أسسها في نهاية القرن الثالث عشر في شمال غرب الأناضول، بالقرب من بيلجيك وسوغت. سرعان ما تحولت هذه الدويلة الصغيرة إلى إمبراطورية عظيمة استولت على أراضٍ شاسعة من القارات الثلاث، بما في ذلك معظم العالم العربي باستثناء مراكش التي ظلت تحت السيطرة المغربية لمدة تقارب 400 عام.
توسع الإمبراطورية العثمانية في أوروبا
بعد تأسيسها في أواخر القرن الثالث عشر، انطلقت القوات العثمانية في حروب لضم الأراضي المجاورة، فكان الغزو الأول لأوروبا عام 1345 حيث اجتاحت البلقان. وفي عام 1402، تحت قيادة محمد الثاني، تمكن العثمانيون من تدمير الإمبراطورية البيزنطية والاستيلاء على عاصمتها القسطنطينية. في ظل حكم السلطان سليم الأول وابنه سليمان، بلغت الإمبراطورية ذروتها ووسعت نفوذها لتشمل أجزاء واسعة من المجر والبلقان. في أواخر القرن السادس عشر، شهدت العاصمة النمساوية فيينا محاولات متكررة للاحتلال من قبل القوات العثمانية، رغم فشلها في النهاية.
الاستيلاء على البلاد العربية
على الرغم من أن بداية التوسع العثماني كانت نحو أوروبا، إلا أن العقبات السياسية والانقسامات الداخلية في عهد بايزيد الثاني أدت إلى توقف هذا التمدد لفترة. ومع تمت إعادة هيكلة الدولة في عهد السلطان الذي تلاه، عادت الإمبراطورية لاستئناف توسعها. في الفترة ما بين 1512 و1520، قاد السلطان سليم الأول عمليات استيلاء على الأراضي العربية.
- سليم الأول
احتلال بلاد الشام
أثبت السلطان سليم الأول قوته العسكرية من خلال احتلال بلاد الشام في حملة قصيرة استمرت لمدة عام واحد فقط بين 1516 و1517. قوبل جيش المماليك بهزيمة سريعة أمام المشاة وسلاح الفرسان العثمانيين المتفوقين، المدعومين بتقنيات المدفعية المتقدمة، إضافة إلى الخيانة من بعض المسؤولين المماليك الذين فضلوا التعاون مع العثمانيين.
احتلال مصر
بعد ضم بلاد الشام، استعد العثمانيون لمواجهة فلول المماليك في مصر. ورغم محاولاتهم للتفاوض، فقد صمد المماليك حول سلطان جديد في القاهرة. في عام 1517، قاد سليم الأول حملة عسكرية إلى مصر، ونجح فيها بمساندة الخائن خير بك الذي عينه حاكمًا عثمانيًا.
احتلال العراق
تحت حكم الدولة الصفوية، سعت الإمبراطورية العثمانية للسيطرة على العراق، فقاد السلطان سليمان ثلاث حملات عسكرية في شمال غرب إيران لكن لم يتمكن من هزيمة الجيش الإيراني. رغم استيلائه على بعض الأراضي، إلا أنه اضطر في عام 1555 إلى توقيع اتفاقية سلام في أماسيا التي حافظ بموجبها على العراق ولكن تنازل عن بعض المطالبات.
احتلال الحجاز واليمن
واجه العثمانيون استسلامًا سريعًا نسبيًا في الحجاز واليمن، حيث أعلن الحكام المحليون في الحجاز ولاءهم للسلطان العثماني في عام 1517. بالنسبة لليمن، فقد تمت تسوية الأمور من خلال اجتماع الوفد اليمني في القاهرة. على الرغم من ذلك، فإن السيادة العثمانية على هذه المناطق كانت شكلية إلى حد كبير.
انهيار الإمبراطورية العثمانية
بدأت علامات انهيار الإمبراطورية العثمانية بالظهور مع بداية العصر الدستوري الثاني بعد ثورة تركيا الفتاة عام 1903، والتي أفضت إلى إعادة العمل بالدستور والبرلمان العثماني. عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، تم احتلال أجزاء كبيرة من أراضيها، مما أدى إلى تقسيم الإمبراطورية وفقدان السيطرة على معظم أراضيها في الشرق الأوسط. تلا ذلك حرب الاستقلال التركية التي أدت إلى تأسيس جمهورية تركيا، مما أنهى الملكية والخلافة العثمانية.
ختامًا، في هذا البحث تناولنا عوامل الاستيلاء العثماني على البلاد العربية وعلاقته بنشوء الإمبراطورية وتوسعها خلال القرون، كما استعرضنا فترة قوتها وصولاً إلى انهيارها.