يتطرق العديد من الناس إلى الحكمة الشهيرة “إذا أتتك مذمتي من ناقص”، والتي تعد واحدة من الأقوال المأثورة في الثقافة العربية. يُعتبر هذا البيت الشعري من أبرز إنتاجات الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي، فالكلمات هنا تعكس عمق الفهم الإنساني والقدرة على الاستدلال على الصفات الحقيقية للناس. في هذا المقال، سنستعرض القائل لهذا البيت الشهير، بالإضافة إلى تحليل المعنى العميق الذي يحمله.

من هو قائل “إذا أتتك مذمتي من ناقص”

الشاعر الذي أنشد هذا البيت الشعري المتميز هو أبو الطيب المتنبي. وفيما يلي تكملة هذا البيت الشعر الذي يبرز بلاغته الفائقة

  • إذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ             فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ.

تحليل معنى “إذا أتتك مذمتي من ناقص”

في البيت الشعري “إذا أتتك مذمتي من ناقص، فهي الشهادةُ لي بأنّي كامل”، يشير المتنبي إلى أن الذم الذي يمكن أن يصدر عن الناقص يعكس عجزه عن رؤية القيم الحقيقية للأفضلين. فإذا قام أحدهم بتسليط الضوء على عيوبه، فإن ذلك يعتبر بمثابة اعتراف بفضائله. ذلك لأن الشخص الذي يعاني من النقص يواجه صعوبة في تقبل الكمال الموجود لدى الآخرين، مما يُظهر الفرق بينهما في المراتب والصفات.

قصيدة “إذا أتتك مذمتي من ناقص”

يعتبر أبو الطيب المتنبي من أعظم شعراء العرب، حيث لا يزال شعره يُستشهد به حتى يومنا هذا. وفيما يلي نص القصيدة كاملة

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ               أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ

يَعلَمنَ ذاكِ وَما عَلِمتِ وَإِنَّما                  أَولاكُما يُبكى عَلَيهِ العاقِلُ

وَأَنا الَّذي اِجتَلَبَ المَنِيَّةَ طَرفُهُ               فَمَنِ المُطالَبُ وَالقَتيلُ القاتِلُ

تَخلو الدِيارُ مِنَ الظِباءِ وَعِندَهُ                 مِن كُلِّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ

اللّاءِ أَفتَكُها الجَّبانُ بِمُهجَتي                 وَأَحَبُّها قُرباً إِلَيَّ الباخِلُ

الرّامِياتُ لَنا وَهُنَّ نَوافِرٌ                        وَالخاتِلاتُ لَنا وَهُنَّ غَوافِلُ

كافَأنَنا عَن شِبهِهِنَّ مِنَ المَها               فَلَهُنَّ في غَيرِ التُرابِ حَبائِلُ

مِن طاعِني ثُغَرِ الرِجالِ جَآذِرٌ                 وَمِنَ الرِّماحِ دَمالِجٌ وَخَلاخِلُ

وَلِذا اِسمُ أَغطِيَةِ العُيونِ جُفونُها             مِن أَنَّها عَمَلَ السُّيوفِ عَوامِلُ

كَم وَقفَةٍ سَجَرَتكَ شَوقاً بَعدَما              غَرِيَ الرَقيبُ بِنا وَلَجَّ العاذِلُ

دونَ التَعانُقِ ناحِلَينِ كَشَكلَتَي              نَصبٍ أَدَقَّهُما وَصَمَّ الشاكِلُ

إِنعَم وَلَذَّ فَلِلأُمورِ أَواخِرٌ                        أَبَداً إِذا كانَت لَهُنَّ أَوائِلُ

ما دُمتَ مِن أَرَبِ الحِسانِ فَإِنَّما             رَوقُ الشَّبابِ عَلَيكَ ظِلٌّ زائِلُ

لِلَّهوِ آوِنَةٌ تَمُرُّ كَأَنَّها                            قُبَلٌ يُزَوَّدُها حَبيبٌ راحِلُ

جَمَحَ الزَّمانُ فَما لَذيذٌ خالِصٌ                مِمّا يَشوبُ وَلا سُرورٌ كامِلُ

حَتّى أَبو الفَضلِ اِبنُ عَبدِ اللَهِ رُؤ            يَتُهُ المُنى وَهيَ المَقامُ الهائِلُ

مَمطورَةٌ طُرقي إِلَيها دونَها                 مِن جودِهِ في كُلِّ فَجٍّ وابِلُ

مَحجوبَةٌ بِسُرادِقٍ مِن هَيبَةٍ                 تَثني الأَزِمَّةَ وَالمَطِيُّ ذَوامِلُ

لِلشَّمسِ فيهِ وَلِلرِّياحِ وَلِلسَّحا             بِ وَلِلبِحارِ وَلِلأُسودِ شَمائِلُ

وَلَدَيهِ مِلعِقيانِ وَالأَدَبِ المُفا                 دِ وَمِلحَياةِ وَمِلمَماتِ مَناهِلُ

لَو لَم يُهَب لَجَبُ الوُفودِ حَوالَهُ              لَسَرى إِلَيهِ قَطا الفَلاةِ الناهِلُ

يَدري بِما بِكَ قَبلَ تُظهِرُهُ لَهُ                 مِن ذِهنِهِ وَيُجيبُ قَبلَ تُسائِلُ

وَتَراهُ مُعتَرِضاً لَها وَمُوَلِّياً                      أَحداقُنا وَتَحارُ حينَ يُقابِلُ

كَلِماتُهُ قُضُبٌ وَهُنَّ فَواصِلٌ                  كُلُّ الضَرائِبِ تَحتَهُنَّ مَفاصِلُ

هَزَمَت مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلَّها                حَتّى كَأَنَّ المَكرُماتِ قَنابِلُ

وَقَتَلنَ دَفراً وَالدُهَيمَ فَما تُرى               أُمُّ الدُهَيمِ وَأُمُّ دَفرٍ هابِلُ

عَلّامَةُ العُلَماءِ وَاللُجُّ الَّذي                   لا يَنتَهي وَلِكُلِّ لُجٍّ ساحِلُ

لَو طابَ مَولِدُ كُلِّ حَيٍّ مِثلَهُ                 وَلَدَ النِساءُ وَما لَهُنَّ قَوابِلُ

لَو بانَ بِالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ                   لَدَرَت بِهِ ذَكَرٌ أَمُ اَنثى الحامِلُ

لِيَزِد بَنو الحَسَنِ الشِرافُ تَواضُعاً           هَيهاتَ تُكتَمُ في الظَّلامِ مَشاعِلُ

سَتَروا النَّدى سَترَ الغُرابِ سِفادَهُ          فَبَدا وَهَل يَخفى الرَّبابُ الهاطِلُ

جَفَخَت وَهُم لا يَجفَخونَ بِهابِهِم            شِيَمُ عَلى الحَسَبِ الأَغَرِّ دَلائِلُ

مُتَشابِهِي وَرَعِ النُفوسِ كَبيرُهُم            وَصَغيرُهُم عَفُّ الإِزارِ حُلاحِلُ

يا إِفخَر فَإِنَّ الناسِ فيكَ ثَلاثَةٌ                مُستَعظِمٌ أَو حاسِدٌ أَو جاهِلُ

وَلَقَد عَلَوتَ فَما تُبالي بَعدَما                 عَرَفوا أَيَحمَدُ أَم يَذُمُّ القائِلُ

أُثني عَلَيكَ وَلَو تَشاءُ لَقُلتَ لي             قَصَّرتَ فَالإِمساكُ عَنّي نائِلُ

لا تَجسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ هَهُنا              بَيتاً وَلَكِنّي الهِزَبرُ الباسِلُ

ما نالَ أَهلُ الجاهِلِيَّةِ كُلُّهُم                 شِعري وَلا سَمِعَت بِسِحرِيَ بابِلُ

وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ                 فَهِيَ الشَّهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ

مَن لي بِفَهمِ أُهَيلِ عَصرٍ يَدَّعي           أَن يَحسُبَ الهِندِيَّ فيهِم باقِلُ

وَأَما وَحَقِّكَ وَهوَ غايَةُ مُقسِمٍ               لِلحَقُّ أَنتَ وَما سِواكَ الباطِلُ

الطّيبُ أَنتَ إِذا أَصابَكَ طيبُهُ                وَالماءُ أَنتَ إِذا اِغتَسَلتَ الغاسِلُ

ما دارَ في الحَنَكِ اللِّسانُ وَقَلَّبَت          قَلَماً بِأَحسَنَ مِن نَثاكَ أَنامِلُ

حياة أبو الطيب المتنبي

أبو الطيب المتنبي، أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، وُلد في عام 303هـ – 915م في الكوفة بالعراق. أمضى معظم حياته في مدينة حلب خلال فترة حكم سيف الدولة الحمداني. تميز المتنبي بشغف مبكر بالشعر، حيث بدأ نظم الشعر في سن مبكرة تبلغ تسع سنوات. كانت قصائده تحتوي على مدح الملوك والأمراء، وقد خلد شعره كمرجع هام للكتاب والشعراء. عُرف المتنبي بمعرفته العميقة بقواعد اللغة العربية ومفرداتها، مما أهله للحصول على لقب “شاعر العرب”. توفي في عام 354هـ – 965م.

بهذا، نكون قد تناولنا في هذا المقال موضوع “إذا أتتك مذمتي من ناقص”، موضحين قائل العبارة، مع تحليل معناه، وكتابة القصيدة كاملة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على حياة الشاعر المتنبي.