يُعتبر فهم أسباب نزول الآيات القرآنية أمرًا مهمًا للوقوف على معانيها الدقيقة وسياقاتها التاريخية. وفي هذا الإطار، نستعرض في هذا البحث سبب نزول قوله تعالى “يقولون لئن رجعنا إلى المدينة”. سنسلط الضوء على سورة المنافقون، ونُفصّل الأحداث التي أدّت إلى نزول هذه الآية الكريمة.
سورة المنافقون
سورة المنافقون هي السورة الثالثة والستون في ترتيب نزولها على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وكذلك في ترتيب المصحف الشريف. تُعتبر سورة مدنية، حيث نزلت بعد الهجرة، وتتألف من 11 آية كريمة. تقع هذه السورة في الجزء الثامن والعشرين من القرآن الكريم، وقد نزلت بعد سورة الحج، كما تشير كتب التفسير. تبدأ السورة بأسلوب شرط يوضح حال المنافقين، حيث قال تعالى {إذا جاءك المنافقون}. تناولت السورة صفاتهم وأحذر الله من التعامل معهم، وقد وُجدت آيات لها أسباب نزول معينة منها ما سيتم ذكره لاحقًا.
سبب نزول قوله تعالى “يقولون لئن رجعنا إلى المدينة”
نزلت سورة المنافقون بعد وقوع عدة أحداث تُظهر نفاق بعض الأشخاص الذين يدّعي الإسلام ظاهريًا، وأظهرت الآية التي جاء ذكرها في قوله تعالى {لئن رجعنا إلى المدينة}، على لسان عبدالله بن أبي سلول، حيث حدث ما يلي
- وقعت مشادة بين المهاجرين والأنصار، مما أثار انزعاج عبدالله بن أبي سلول، فقال “لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها” مُشيرًا إلى نفسه، في حين قصد بالأذل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فاستجاب الله لهذا الموقف بقوله {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
الحديث المتعلق بالآية الكريمة
لكل موقف يقع، غالبًا يُصاحبه نزول آية أو حديث يُفسر السبب وراءه، مما يُسهل على المسلمين الفهم. وقد رواه جابر بن عبدالله، حيث قال “كَسَعَ رَجُلٌ مِن المُهاجِرينَ رَجُلًا مِن الأنصارِ، فقال الأنصاريُّ يا لَلأنصارِ، وقال المُهاجِريُّ يا لَلمُهاجِرينَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم ألَا ما بالُ دَعْوى الجاهليَّة، دَعْوى الكَسْعةِ؛ فإنَّها مُنْتِنةٌ”. وقد حدثت هذه القصة خلال غزوة بني المصطلق المعروفة أيضًا بالمريسيع، والتي جرت في السنة السادسة من الهجرة.
أثناء الغزوة، حصلت مشادة بين مهاجري يُدعى “اللعاب” وأنصاري، ما أدى لاستغاثة كل طرف بجماعته، مما أبرز النزعة العصبية. وعندما وصل الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعرب عن استنكاره لهذه العصبية، مؤكدًا ضرورة تخليهم عن تلك الدعاوى الجاهلية. وقد غذّى هذا الموقف حالة المنافقين كعبد الله بن أبي سلول، الذي تحت عباءة الإسلام نطق بتصريحات عدائية، لكنه لم يُعاقب بشكل مباشر خشية من أن يُعتبر أنه قد قُتل النبي الذين يدّعي اعتناق الإسلام.
في ختام بحثنا حول سبب نزول قوله تعالى “يقولون لئن رجعنا إلى المدينة”، استعرضنا السياق الذي أدّى إلى نزول هذه الآية، وقدمنا تفسيرًا يتعلق بسورة المنافقون والحديث النبوي المرتبط بهذا الموضوع.